top of page

لا يعلم إلى أين يذهب -------------- د. عزت حكيم

صورة الكاتب: Ezzat HakimEzzat Hakim

تاريخ التحديث: ١٠ فبراير ٢٠٢٤

كيف لا تخشى المجهول


 الخوف من المجهول


يدخل العالم بأسره الآن في مناخ من عدم اليقين ويردد امام نفسه كل يوم  نفس السؤال: "ماذا سيحدث غداً"، وصار معظم الناس لا يعرفون ماذا يخبىء لهم المستقبل، أنهم صاروا لا يعلمون الى أين يذهبون!

إن معظم البشر يخافون من المجهول ويعانون من القلق والضيق في مواجهة الأمور غير المتوقعة، خاصة إذا كانوا يفتقرون إلى المعلومات المطلوبة أو بسبب احساسهم انهم غير قادرين على السيطرة على الظروف. إن عدم اليقين هو مشكلة فى حياة الجميع، ودائماً يجد الأشخاص الذين يخشون المجهول صعوبات داخلية من المشاعر المَرَضية بالقلق أو الخوف أو حتى بالتوتر والغضب!

هذا الأمر غريب على حياة البشر الطبيعيين في هذا العالم، لأن الأمان في هذا العالم يعتمد بشكل كبير على ضرورة "أن نعرف"! وعندما لا تعرف يتهدد أمانك وسلامك ويأتي عليك الخوف والشعور بالتهديد. سلام العالم يعتمد على تأمين الحياة بشكل مادى الآن وفى المستقبل.

لكن عندما دعى الرب أبرام أن يخرج من أرضه وقال له: "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك، مكتوب عن ابرام أنه خرج وهو لا يعلم الى اين يذهب! يقول الرسول بولس عنه: "بالإيمان إبراهيم لما دُعِي أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيدا أن يأخذه ميراثا، فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي" (عبرانين 11 )


ابرام لم يكن يعرف أين سيذهب ولكنه عرف من سيرافقه!

إن الله قبل أن يقول لابرام "أخرج" كان ابرام قد عرف من هو الذى يدعوه الى المجهول، ابرام عرف أن الذى يدعوه هو اله المجد!، يقول عنه اسطفانوس "ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم وهو في ما بين النهرين قبلما سكن في حاران وقال له اخرج" (أع 7 : 2 ) إن خروج ابرام من أرضه لم يكن خروجاً مادياً فقط ولكنه كان "أنفصالا روحياً عن حياة العالم المحيط" الى الله. ابرام وافق على الخروج الى المجهول، وهو لم يكن لديه أي معلومات كافية، لأنه وافق على الأنفصال لأجل الله بالاعتماد بالايمان على إمكانيات الله. لقد جعل الله الدعوة واضحة صريحة: "أخرج" وصار الانفصال لله مبدأ صريحًا من مبادئ الحياة مع الرب بداية من ابرام ، وعلى مدى تاريخ الأنجيل لكل من يتبع المسيح،  لأن العالم صار غارقاً في العبادات الوثنية والاتكال على الأمور المادية، فلم يكن خروج ابرام عن أرضه وعشيرته وبيت أبيه خروجاً فقط ،بل كان انفصالاً إلى الله عن حياة العالم! أبرام عرف انه سيحظى برفقة الله في رحله الى المجهول! خروج أبرام كان المغامرة للسير على الماء مع يسوع!

لا تخف من المجهول!

إن كنت تسير مع الرب، وأحياناً كثيرة تختبر أنك لا تعرف تماماً الى أين تتجه والى أين ستذهب، وإن رؤيتك لمستقبلك ممتلئة بالضباب وعدم الوضوح، لا تضطرب! فالله يعرف جيداً كيف سيرافقك ويؤازرك ويقودك حتى تأتى الى وجهتك. وعندما سأل توما الرب يسوع قائلاً : "يا سيد، لسنا نعلم أين تذهب، فكيف نقدر أن نعرف الطريق؟"، "قال له يسوع: أنا هو الطريق" إن الطريق المادى بحسب مواصفات هذا العالم كثيراً ما يكون مُبهَم وغير واضح لكن طريقك أنت هو المسيح! وطالما أنت ملتصق بالمسيح فأنت فعليا في طريق الوصول ولن تتوه أبداً في المسير. كل مرة تشعر وكأنك تواجه صعوبات المجهول، إعرف أنك تحتاج ان تأتى الى الطريق الذى هو يسوع! لأن ابرام لم يخرج الى المجهول إلا وهو ملتصق بالله ويسير خلفه وبعد مشاوير وجد نفسه في أرض غربة وصارت له ملكاً أبدياً بمعجزة الهية.


المجهول كان بداية رحلة مجيدة:

كان خروج أبراهيم الى المجهول بداية قصة مجيدة مع الله، ممتلئة بالرعاية والمعجزات والظهورات الإلهية، إنها قصة غيرت مجرى التاريخ عدة مرات على مدار الزمن، هذه القصة لم تعد قصة أبراهيم فقط ولكنها صارت قصة الله الذى غير التاريخ بطاعة ابراهيم! كان خروج أبراهيم بداية مباشرة لإعداد قصة الخلاص ومجىء المسيح الى أرضنا، ولازال الكتاب المقدس يسمى إبراهيم "أبو المؤمنين" بسبب هذا الخروج المغامر الى المجهول وهو لا يعلم الى أين سيذهب.

وهكذا سيكون خروجك وراء الرب حتى لو كان يبدوا أنه خروج الى المجهول، لكنك ستتعلم كيف تكون كأبيك أبراهيم  وتتبع الرب بالإيمان وبالإتكال عليه خطوة بخطوة، وترى الرب يفتح أبواب غير متوقعة، ويصنع معجزات تنقذك من الموت، ويرسل لك غراب ليأتى لك بالطعام، ولن تكون هذه قصتك أنت فيما بعد ولكنها ستكون قصة الله من خلال حياتك، إن الله سيظهر من خلال خروجك وتبعيتك وايمانك واتكالك عليه طول الطريق. سيظهر لك في مسيرك وأنت تتبعه وأيضاً سيظهر ويستعلن لكثيرين من حولك بسبب تبعيتك لأن هذا الذى حدث مع إبراهيم.

بركات الترحال مع الرب

  • حدث تغيير ضخم في حياة ابرام وتحول الى إبراهيم الذى يعنى "أجعلك اباً لجمهور من الأمم"

  • أخذ أبراهيم الوعد بأمتلاك الأرض "المجهولة" التي ذهب اليها وهو لم يكن يعلم!

  • أعطاه الرب "اسحق" ابن الوعد الذى اطلق الضحك والفرح في حياته وافى حياة كل الأجيال من بعده لأنه كان إشارة الى ولادة المسيح!

  • ظهر له الرب عدة مرات كصديق يظهر لصديقه! لأجل هذا سمى إبراهيم خليل الله.

  • أخذ الوعد والعهد " فيك تتبارك جميع أمم الأرض"

  • وهو يقدم ابنه اسحق ذبيحة على جبل المريا صار "ايقونه" وصورة نبوية عن الله الذى قدم ابنه ذبيحة على صليب الجلجثه. " لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية." (يوحنا 3 : 16 )

  • كشف الله لابراهيم عن اسراره الالهيه: فقال الرب: "هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله"

  • كان لأبراهيم امتياز حماية الهيه متفوق لأنه كان في كل ترحاله في رفقة الله.

  • كانت هناك معجزة مدهشة لقراره أن يذهب وراء الرب في هذا المجهول: "وكان أبرام غنيا جدا في المواشي والفضة والذهب"


تلاميذ المسيح غيروا التاريخ برحلاتهم نحو المجهول!

عندما كان يسوع مع التلاميذ أرسلهم الى رحلات غير معلومة والى مناطق مجهولة دون ترتيبات سفر مسبقة أو معلومات إضافية، وقال لهم كما قال لأبرام ، قال لهم اذهبوا: "اذهبوا! ها أنا أرسلكم مثل حملان بين ذئاب. لا تحملوا كيسا ولا مزودا ولا أحذية، ولا تسلموا على أحد في الطريق. وأي بيت دخلتموه فقولوا أولا: سلام لهذا البيت. فإن كان هناك ابن السلام يحل سلامكم عليه، وإلا فيرجع إليكم ، وأقيموا في ذلك البيت آكلين وشاربين مما عندهم، لأن الفاعل مستحق أجرته. لا تنتقلوا من بيت إلى بيت، وأية مدينة دخلتموها وقبلوكم، فكلوا مما يقدم لكم، واشفوا المرضى الذين فيها، وقولوا لهم: قد اقترب منكم ملكوت الله"

وكانت المفاجئة للتلاميذ مع كل هذه المواعيد ومع كل هذا المجهول: "فرجع السبعون بفرح قائلين: "يارب، حتى الشياطين تخضع لنا باسمك!". (لوقا 10 )

وفى مقابلة أخيرة بين يسوع وتلاميذه قبل صعوده للسماء وبخ عدم ايمانهم، وقساوة قلوبهم! لأنهم لم يصدقوا الذين نظروه قد قام وقال لهم "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" وكانت هذه الأرسالية رحلة جماعية لمناطق كثيرة غير معلومة في كل العالم آنذاك دون أى ترتيبات مسبقة أو مساعدة شركات سياحة أو مرشديين شخصيين، وبدأت الرحلات المجيدة الى المجهول، ونفس الأمر الذى حدث مع إبراهيم حدث معهم بل أكثر جداً، أنهم فتنوا المسكونة وغيروا التاريخ!

لا تخف من المجهول لأنه ممتزج بمجد ورعاية الرب

إن كنت تشعر أنك مرهق ومعذب بسبب كثرة المجهول وعدم اليقين في حياتك، ثق أن هذا هو الوقت لكى تجد طريقك من خلال مخدع الصلاة ومقابلتك مع الذى يعرف كل شيء، والحامل كل الأشياء بكلمة قدرته، والذى سيقودك في المسير. في مخدعك ستجد الطريق الحقيقى "يسوع". أمزج صلاتك بتوقعات الايمان، أفتح أذنك لكى تسمع صوت الرب بمعونة من الروح القدس، تأكد من الصوت، ثم تحرك بالإيمان، هو لن يخذلك. وأنت تتحرك أتبع يسوع الذى يسير أمامك وكن دائماً شاهدا عن محبته وخلاصة وتوقع المعجزات. أهزم العالم بخروجك عن السياق العام وأتبع المسيح.

وعد الرب لك:

"وأذناك تسمعان كلمة خلفك قائلة هذه هي الطريق. اسلكوا فيها، حينما تميلون إلى اليمين وحينما تميلون إلى اليسار" (أش 30 : 21) – "لا تخف لأني فديتك. دعوتك باسمك. أنت لي، إذا اجتزت في المياه فأنا معك، وفي الأنهار فلا تغمرك. إذا مشيت في النار فلا تلذع، واللهيب لا يحرقك . . . إذ صرت عزيزا في عيني مكرما، وأنا قد أحببتك" (أش 43 : 1)

لا تخف أن تكون حياتك كمن يسير على الماء، عندما بدأ بطرس في الغرق، كان يسوع هناك لكى ينقذه ويرفعه ويرجعان معاً سائران على نفس الماء بأنتصار وإيمان وتغيرت حياة بطرس الى الأبد.


أخرج الى المجهول بإيمان ابراهيم وتوقع ان ترى مجد الرب على حياتك، أستعد للمفاجآت واستفبال أرض ميراثك لأنه معك!

 

 

 

Comentarios


bottom of page