top of page

حصان طروادة (الفصل الثانى) ---------------------- د. عزت حكيم

صورة الكاتب: Ezzat HakimEzzat Hakim

رسالة هامة الى كنيسة اليوم

الفصل الثانى

التنافس والرغبة المحمومة في عبادة الذات


قابلت هذا الخادم من سنوات في مؤتمر من المؤتمرات، وطلب أن يجلس معى جلسة خاصة ليحكى لى قصته. وكان ملخص القصة أنه ولأكثر من عشر سنوات وهو مجروح من صديقه الذي كان شريكاً له في الخدمة لأنه خدعه في أمور لها علاقة بالتنافس على القيادة والأستحواذ على الأموال. هذا "الصديق" أو شريكه في الخدمة نجح بجدارة في التنافس على حساب هذا الخادم الذي كان يجلس معي، نجح في الاستيلاء الكامل على الخدمة والأستيلاء الكامل على الأموال. وصار هذا الرجل الذي كان يجلس معي خارجاً بلا خدمة وبلا دعم. كانت هناك أيضاً مشكله أضخم أن هذا الخادم الذي كان يجلس معى وبسبب جروحه العميقة تمنى الموت لشريكه الذى خدعه، وكانت مصادفة سيئة جدا أن صديقه هذا مات فعليا في حادثة عربية. والآن صارت مشكلة هذا الخادم معقدة جداً، صارت خليط من المرارة وعدم الغفران ومن الأحساس العميق بالذنب والألم الداخلى وكأن تمنياته كانت سبب في وفاة هذا الذي كان شريكا له! وأنا استمع اليه لم أستطع أن أكف عن البكاء والاحساس العميق بالحزن عليهما هما الاثنين معاً بسبب هذا التدمير الذي حدث في حياتهما والذي حدث لخدمتهما! بسبب مأساة البحث عن الأنا بدلا من البحث عن الله.


نحن نولد في عالم يعلمنا منذ ولادتنا الرغبة في أن أكون "الأول" وأن يكون لى النصيب "الأكبر" مهما كان ما يحدث مع من حولى. وعلى مر السنوات الأولى من عمرنا نتعلم ضرورة "أن نصنع لأنفسنا أسماً" على غرار كبرياء أهل بابل عندما كانوا يبنون برجاً يمثل كبريائهم ويرجون أن رأسه يصل الى السماء:


" هَلُمَّ نَبْنِ لأَنْفُسِنَا مَدِينَةً وَبُرْجًا رَأْسُهُ بِالسَّمَاءِ. وَنَصْنَعُ لأَنْفُسِنَا اسْمًا لِئَلاَّ نَتَبَدَّدَ عَلَى وَجْهِ كُلِّ الأَرْضِ» (تك 11: 4)

وعندما نؤمن بالمسيح لا نعطى لأنفسنا أي انتباه أن نغير هذه الاتجاهات العميقة التي شكلت هذه التركيبة النفسية والفكرية الشريرة داخلنا ونظل رغما عن الايمان الذي في قلبنا نعيش بالإنسان القديم الذي يسيطر علينا لكى نظل في هذ التنافس لكى نكون دائماً الأوائل ويكون لنا دائماً النصيب الأكبر في الكرامة والأنصبة المادية!


كان الدافع العميق الذي حرك حنانيا وسفيرا ليبيعا البيت ويأتيا بنصف ثمنه تحت أقدام الرسل وهما يعلنان امام الرسل أن هذا كان ثمن البيت كله، لم يكن دافعاً نقياً خالصاً لمحبة الرب أو لمجده على الأطلاق، ولكنه كان رغبة قوية في التنافس وأثبات الذات والبحث عن الأماكن الأولى داخل مجتمع الكنيسة الأولى، أن يصنعا منظراً حسناً أمام الناس والمجتمع ويكون لهما كرامة ومكان مركزى وسط الجميع! وأن يكون لهما أسماً.

هذة الرغبات الشريرة كانت مختبئة داخل حصان طروادة الذي دخل الى قلبيهما خلسة وخداعاً لتدمير حياتهما وقيادتهما الى الموت. لكن نمجد الرب لأن هذا الحصان الشرير لم يستطع أن يدخل الى قلب الكنيسة بسبب التمييز الروحي الذي كان يملأ قلب الرسول بطرس! أقرأ بقية هذه القصة بتركيز في هذه الآيات التالية:


" ورجل اسمه حنانيا، وامراته سفيرة، باع ملكا، واختلس من الثمن، وامراته لها خبر ذلك، واتى بجزء ووضعه عند أرجل الرسل. فقال بطرس: «ياحنانيا، لماذا ملا الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس وتختلس من ثمن الحقل؟ اليس وهو باق كان يبقى لك؟ ولما بيع، الم يكن في سلطانك؟ فما بالك وضعت في قلبك هذا الامر؟ انت لم تكذب على الناس، بل على الله».. فلما سمع حنانيا هذا الكلام وقع ومات. وصار خوف عظيم على جميع الذين سمعوا بذلك. فنهض الاحداث ولفوه وحملوه خارجا ودفنوه. ثم حدث بعد مدة نحو ثلاث ساعات، ان امراته دخلت، وليس لها خبر ما جرى. فأجابها بطرس: «قولي لي: ابهذا المقدار بعتما الحقل؟» فقالت: «نعم، بهذا المقدار».. فقال لها بطرس: «ما بالكما اتفقتما على تجربة روح الرب؟ هوذا أرجل الذين دفنوا رجلك على الباب، وسيحملونك خارجا» فوقعت في الحال عند رجليه وماتت. فدخل الشباب ووجدوها ميتة، فحملوها خارجا ودفنوها بجانب رجلها. فصار خوف عظيم على جميع الكنيسة وعلى جميع الذين سمعوا بذلك." (أع 5: 1)

أيضاً في هذا الجزء الآخر من الكتاب المقدس الرب يطلب من حزقيال أن ينظر من ثقب في الحائط ليرى مايحدث بعين فاحصة داخل هيكل العبادة، فوجد شعبه بالرغم أنهم داخل الهيكل لكنهم لا يعبدون الرب، بل يعبدون أصنامهم الخاصة بهم ويعبدون ذواتهم داخل الهيكل!!


" وقال لي: «يا ابن آدم، هل رايت ما هم عاملون؟ الرجاسات العظيمة التي بيت اسرائيل عاملها هنا لابعادي عن مقدسي. وبعد تعود تنظر رجاسات اعظم ثم جاء بي الى باب الدار، فنظرت واذا ثقب في الحائط. . ثم قال لي: «يا ابن آدم، انقب في الحائط». فنقبت في الحائط، فاذا باب. وقال لي: «ادخل وانظر الرجاسات الشريرة التي هم عاملوها هنا» . فدخلت ونظرت واذا كل شكل دبابات وحيوان نجس، وكل اصنام بيت اسرائيل، مرسومة على الحائط على دائرة." (حز8: 6)

هل صرنا – داخل كنائسنا - نخدم لأجل نجاحنا، هل نجتهد لكن من أجل التنافس، هل نسعى للقيادة لأجل رغباتنا المحمومة في النجاح الذاتي. هل حفلات العبادة والتسبيح صارت لأجل الفرح الذاتي بأولادنا وهم على خشبة المسرح يبهرون الجمهور بأدائهم ونجاحهم المبهر ويستقبلون التصفيق. هل صارت كنائسنا تصنع احتفالات لحصان طروادة الممتلىء بأرواح شريرة وجنود للشيطان وهم يستعدون للأستيلاء على المدينة!


خدع الشيطان الأنسان الأول وأسقطه بمكر شديد في فخ "التنافس والرغبة المحمومة في عبادة الذات" وهو يقول له كذباً: "بل الله عالم انه يوم تاكلان منه تنفتح اعينكما وتكونان كالله." سقط الأنسان الأول من البرائة الى فخ التنافس الوهمى ليظل يسعى ويجتهد باطلا في محاولات لا تتوقف ليجد لنفسه مركزاُ مرتفعاً مستقلا حتى عن الله!


في مقابلة – فى بوست على الفاسبوك - مع أمرأة كانت مسيحية والآن صارت تعبد الشيطان، وبعد سؤالها لماذا تركتى المسيحية قالت: "أنا الله!" "الله في كل مكان، أي شخص ممكن يكون الله!" ثم سألها المُحاور: "الى أين تذهبين بعد الموت" قالت: "لا يوجد مكان بعد الموت، فقط سنتلاشى!!"


هل هذا الخداع الرهيب الخاص بعبادة الذات دخل الى الكنيسة ولم نعد نرى الله الذي يستحق كل عبادة وسجود وأكرام. هل صرنا نذهب الى الكنيسة لأجل ذواتنا بدلا من أن نذهب لأجله! هل صار الفرق الوحيد بيننا وبين العالم أننا نعبد ذواتنا بطريقة دينية لكي نُسكِنْ ضمائرنا أمام أنفسنا!


عندما أختار الرب شاول ليكون ملكاً على إسرائيل أعطاه الرب كرامة جزيلة جداً، ولكنه ظل يبحث عن أن يصنع لنفسه اسماً، ظل يتحرك من خلال الرغبة المحمومة في عبادة الذات. وعندما أستخدم الرب داود الصغير في الأنتصار على جليات الجبار ليحرر شعبه من العبودية، كان هذا الأمر صعباً جداً على "عبادة شاول لذاته" وبالذات عندما غنت الفتيات هذه الأغنية: "وكان عند مجيئهم حين رجع داود من قتل الفلسطيني، ان النساء خرجت من جميع مدن اسرائيل بالغناء والرقص للقاء شاول الملك بدفوف وبفرح وبمثلثات، فاجابت النساء اللاعبات وقلن: ضرب شاول الوفه وداود ربواته." فكان هذا هو رد فعل شاول الملك:"فاحتمى غضب شاول جدا وساء هذا الكلام في عينيه، وقال: «اعطين داود ربوات واما انا فاعطينني الالوف! وبعد فقط تبقى له المملكة» . . . ثم تطور الأمر الى هذا الحد: "فكان شاول يعاين داود – ليقتله - من ذلك اليوم فصاعدا. وكان في الغد ان الروح الرديء من قبل الله اقتحم شاول وجن في وسط البيت. وكان داود يضرب بيده كما في يوم فيوم، وكان الرمح بيد شاول." (1صم 18 :6)


هل يمكن أن عبادة الذات تملأ المؤمنين بالغيرة والحسد والكراهية والتنافس غير الشريف الذي يصل لدرجة الرغبة في التخلص من الآخر؟ الأجابة طبعاً نعم! هل هذا يحدث وسط القيادات الكنسية؟ الأجابة طبعاً نعم! هل هذا يمكن أن يحدث بين شركاء الخدمة في التنافس على المراكز الأولى والتنافس على الأنصبة؟ الأجابة تظل نعم!

لأجل هذا يطلب القديس بطرس من القادة هذا الأمر الخطير: "ارعوا رعية الله التي بينكم نظارا، لا عن اضطرار، بل بالاختيار، ولا لربح قبيح، بل بنشاط، ولا كمن يسود على الانصبة، بل صائرين امثلة للرعية."(1بط 5: 2)


ويقول القديس بولس بخصوص الذين لم يختبروا الصليب والموت عن الذات:"لان كثيرين يسيرون ممن كنت اذكرهم لكم مرارا، والآن اذكرهم ايضا باكيا، وهم اعداء صليب المسيح" (في3 :18)


قابلت خادماً من سنوات وعرفت أنه موهوب جداً في عزف البيانو، ولكنى عرفت أنه لم يكن يعزف في الكنيسة من فترة، وعندما سألته لماذا لايعزف؟ قال لى: "أحتاج أن أموت أولا عن الأعجاب بذاتي!" وكأني سمعت أمراً لا أسمعه كثيراً وسط مجتمع مسيحى يخلط بشكل رهيب بين الرغبة في الأداء الجيد لمجد الرب وبين السعي الدأوب للأعجاب بالذات!


خطوات عملية للتوبة والرجوع للرب:

1. أعادة اكتشاف اختبار "معمودية الماء"، لأنه عندما نزلت الى جرن المعمودية كان أعلاناً واضحاً بالموافقة منى على الموت عن ذاتى"أنا" القديم، وأعادة اكتشاف "أنى مع المسيح صلبت"

2. قدم توبة حقيقية من كل القلب للرب، عن كل مرة تراجعت عن عهود معموديتك، وتركت الفرصة لذاتك أن تعيش من جديد وتطلب أن يكون لك أسماً كما يصنع العالم.

3. إذا كنت تمر الآن بخبرة فيها ضياع للكرامة لأجل تبعيتك أو خدمتك للمسيح، وتجد أن محاولاتك للدفاع عن نفسك لم تجديك شيئاً حتى الآن، أعرف أن هذا الأمر هو لأختبارك هل موتك عن ذاتك وكرامتك حقيقى أم لا!

4. تبنى توجه فكرى ونفسي مختلف عما كان عندك من قبل، أنت الآن لاتبحث عن نفسك، لأنك وجدت نفسك في المسيح، ولكنك الآن أنت تخدم سيد آخر ومن أجله ستضع نفسك وكل ماعندك لأجله. ردد هذه الكلمات مع القديس بولس الرسول: "لكن ما كان لي ربحا، فهذا قد حسبته من اجل المسيح خسارة. بل أنى احسب كل شيء ايضا خسارة من اجل فضل معرفة المسيح يسوع ربي، الذي من اجله خسرت كل الاشياء، وانا احسبها نفاية لكي اربح المسيح"

5. الرب سيساعدك ويعطيك نعمة لكي تموت عن ذاتك لأجله.







Comments


bottom of page